فصل: ذكرمن توفي بها من الأعيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

استهلت والحكام هم هم، والسلطان في الحجاز لم يقدم بعد، وقد قدم الأمير سيف الدين تجليس يوم السبت مستهل المحرم من الحجاز وأخبر بسلامة السلطان وأنه فارقه من المدينة النبوية، أنه قد قارب البلاد، فدقت البشائر فرحاً بسلامته، ثم جاء البريد فأخبر بدخوله إلى الكرك ثاني المحرم يوم الأحد، فلما كان يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم دخل دمشق وقد خرج الناس لتلقيه على العادة، وقد رأيته مرجعه من هذه الحجة على شفته ورقة قد ألصقها عليها‏.‏

فنزل بالقصر وصلى الجمعة رابع عشر المحرم بمقصورة الخطابة، وكذلك الجمعة التي تليها ولعب في الميدان بالكرة يوم السبت النصف من المحرم، وولي نظر الدواوين للصاحب شمس الدين غبريال يوم الأحد حادي عشر المحرم وشد الدواوين لفخر الدين إياس الأعسري عوضاً عن القرماني‏.‏

وسافر القرماني إلى نيابة الرحبة وخلع عليهما وعلى وزيره، وخلع على ابن صصرى وعلى الفخر كاتب المماليك، وكان مع السلطان في الحج، وولى شرف الدين بن صصرى حجابة الديوان وباشر فخر الدين ابن شيخ السلامية نظر الجامع، وباشر بهاء الدين بن عليم نظر الأوقاف، والمنكورسي شد الأوقاف‏.‏

وتوجه السلطان راجعاً إلى الديار المصرية بكرة الخميس السابع والعشرين من المحرم، وتقدمت الجيوش بين يديه ومعه‏.‏

وفي أواخر صفر اجتاز على البريد في الرسلية إلى مهنا الشيخ صدر الدين الوكيل وموسى بن مهنا والأمير علاء الدين الطنبغا فاجتمعوا به في تدمر، ثم عاد الطنبغا وابن الوكيل إلى القاهرة‏.‏

وفي جمادى الآخرة مسك أمين الملك وجماعة من الكبار معه وصودروا بأموال كثيرة، وأقيم عوضه بدر الدين بن التركماني الذي كان والي الخزانة‏.‏

وفي رجب كملت أربعة مناجيق واحد لقلعة دمشق، وثلاثة تحمل إلى الكرك، ورمى باثنين على باب الميدان وحضر نائب السلطنة تنكز والعامة، وفي شعبان تكامل حفر النهر الذي عمله سودي نائب حلب بها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/79‏)‏

وكان طوله من نهر الساجور إلى نهر قويق أربعين ألف ذراع في عرض ذراعين وعمق ذراعين، وغرم عليه ثلاثمائة ألف درهم، وعمل بالعدل ولم يظلم فيه أحداً‏.‏

وفي يوم السبت ثامن شوال خرج الركب من دمشق وأميره سيف الدين بلباي التتري، وحج صاحب حماه في هذه السنة وخلق من الروم والغرباء‏.‏

وفي يوم السبت السادس والعشرين من ذي الحجة وصل القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية من مصر على نظر الجيوش الشامية كما كان قبل ذلك، وراح معين الدين بن الخشيش إلى مصر في رمضان صحبة الصاحب شمس الدين بن غبريال، وبعد وصول ناظر الجيوش بيومين وصلت البشائر بمقتضى إزالة الإقطاعات لما رآه السلطان بعد نظره في ذلك أربعة أشهر‏.‏

 من الأعيان‏:‏

الشيخ الإمام المحدث

 فخر الدين أبو عمرو عفان بن محمد بن عثمان بن أبي بكر بن محمد بن داود التوزي بمكة يوم الأحد حادي ربيع الآخر، وقد سمع الكثير، وأجازه خلق يزيدون على ألف شيخ، وقرأ الكتب الكبار وغيرها، وقرأ صحيح البخاري أكثر من ثلاثين مرة رحمه الله‏.‏

 عز الدين محمد بن العدل

شهاب الدين أحمد بن عمر بن إلياس الرهاوي، كان يباشر استيفاء الأوقاف وغير ذلك، وكان من أخصاء أمين الملك، فلما مسك بمصر أرسل إلى هذا وهو معتقل بالعذراوية ليحضر على البريد فمرض فمات بالمدرسة العذراوية ليلة الخميس التاسع عشر من جمادى الآخرة، وله من العمر خمس وثلاثون سنة، وكان قد سمع من ابن طبرزد الكندي، ودفن من الغد بباب الصغير، وترك من بعده ولدين ذكرين جمال الدين محمد، وعز الدين‏.‏

 الشيخ الكبير المقرئ

شمس الدين المقصاي، هو أبو بكر بن عمر بن السبع الجزري المعروف بالمقصاي نائب الخطيب وكان يقرئ الناس بالقراءات السبع وغيرها من الشواذ، وله إلمام بالنحو، وفيه ورع واجتهاد، توفي ليلة السبت حادي عشرين جمادى الآخرة، ودفن من الغد بسفح قاسيون تجاه الرباط الناصري، وقد جاوز الثمانين رحمه الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/80‏)‏

 ثم دخلت سنة أربع عشرة وسبعمائة

استهلت والحكام هم هم في التي قبلها إلا الوزير أمين الملك فمكانه بدر الدين التركماني وفي رابع المحرم عاد الصاحب شمس الدين غبريال من مصر على نظر الدواوين وتلقاه أصحابه‏.‏

وفي عاشر المحرم يوم الجمعة قرئ كتاب السلطان على السدة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والأمراء يتضمن بإطلاق البواقي من سنة ثمان وتسعين وستمائة إلى آخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، فتضاعفت الأدعية للسلطان، وكان القارئ جمال الدين بن القلانسي ومبلغه صدر الدين بن صبح المؤذن‏.‏

ثم قرئ في الجمعة الأخرى مرسوم آخر فيه الإفراج عن المسجونين، وأن لا يؤخذ من كل واحد إلا نصف درهم، ومرسوم آخر فيه إطلاق السخر في الغصب وغيره عن الفلاحين، قرأه ابن الزملكاني وبلغه عنه أمين الدين محمد بن مؤذن النجيبي‏.‏

وفي المحرم استحضر السلطان إلى بين يديه الفقيه نور الدين علي البكري وهمّ بقتله شفع فيه الأمراء فنفاه ومنعه من الكلام في الفتوى والعلم، وكان قد هرب لما طلب من جهة الشيخ تقي الدين بن تيمية فهرب واختفى، وشفع فيه أيضاً، ثم لما ظفر به السلطان الآن وأراد قتله شفع فيه الأمراء فنفاه ومنعه من الكلام والفتوى، وذلك لاجترائه وتسرعه على التكفير والقتل والجهل الحامل له على هذا وغيره‏.‏

وفي يوم الجمعة مستهل صفر قرأ ابن الزملكاني كتاباً سلطانياً على السدة بحضرة نائب السلطان القاضي وفيه الأمر بإبطال ضمان القواسير وضمان النبيذ وغير ذلك، فدعا الناس للسلطان‏.‏

وفي أواخر ربيع الأول اجتمع القضاة بالجامع للنظر في أمر الشهود ونهوهم عن الجلوس في المساجد، وأن لا يكون أحد منهم في مركزين، وأن لا يتولوا ثبات الكتب ولا يأخذوا أجراً على أداء الشهادة، وأن لا يغتابوا أحداً وأن يتناصفوا في المعيشة، ثم جلسوا مرة ثانية لذلك وتواعدوا ثالثة فلم يتفق اجتماعهم، ولم يقطع أحد من مركزه‏.‏

وفي يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه عقد مجلس في دار ابن صصرى لبدر الدين بن بضيان وأنكر عليه شيء من القراءات فالتزم بترك الإقراء %بالكلية ثم استأذن بعد أيام في الإقراء فأذن له فجلس بين الظهر والعصر بالجامع وصارت له حلقة على العادة‏.‏

وفي منتصف رجب توفي نائب حلب الأمير سيف الدين سودي ودفن بتربته وولي مكانه علاء الدين الطنبغا الصالحي الحاجب بمصر، قبل هذه النيابة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/81‏)‏

وفي تاسع شعبان خلع على الشريف شرف الدين عدنان بنقابة الأشراف بعد والده أمين الدين جعفر توفي في الشهر الماضي‏.‏

وفي خامس شوال دفن الملك شمس الدين دوباج بن ملكشاه بن رستم صاحب كيلان بتربته المشهورة بسفح قاسيون، وكان قد قصد الحج في هذا العام، فلما كان بغباغب أدركته منيته يوم السبت سادس عشرين رمضان فحمل إلى دمشق وصلي عليه ودفن في هذه التربة، اشتريت له وتممت وجاءت حسنة وهي مشهورة عند المكارية شرقي الجامع المظفري، وكان له في مملكة كيلان خمسة وعشرين سنة، وعمر أربعاً وخسمين سنة‏.‏

وأوصى أن يحج عنه جماعة ففعل ذلك وخرج الركب في ثالث شوال وأميره سيف الدين سنقر الإبراهيمي، وقاضيه محيي الدين قاضي الزبداني‏.‏

وفي يوم الخميس سابع ذي القعدة قدم القاضي بدر الدين بن الحداد من القاهرة متولياً حسبة دمشق فخلع عليه عوضاً عن فخر الدين سليمان البصراوي، عزل فسافر سريعاً إلى البرية ليشتري خيلا للسلطان يقدمها رشوة على المنصب المذكور، فاتفق موته في البرية في سابع عشر الشهر المذكور، وحمل إلى بصرى فدفن بها عند أجداده في ثامن ذي القعدة، وكان شاباً حسناً كريم الأخلاق حسن الشكل‏.‏

وفي أواخره مسك نائب صفد بلبان طوباي المنصوري وسجن وتولى مكانه سيف الدين بلباي البدري‏.‏

وفي سادس ذي الحجة تولي ولاية البر الأمير علاء الدين علي بن محمود بن معبد البعلبكي، عوضاً عن شرف الدين عيسى بن البركاسي، وفي يوم عيد الأضحى وصل الأمير علاء الدين بن صبح من مصر وقد أفرج عنه فسلم عليه الأمراء‏.‏

وفي هذا الشهر أعيد أمين الملك إلى نظر النظار بمصر وخلع على الصاحب بهاء الدين النسائي بنظر الخزانة عوضاً عن سعد الدين حسن بن الأقفاصي‏.‏

وفيه‏:‏ وردت البريدية بأمر السلطان للجيوش الشامية بالمسير إلى حلب وأن يكون مقدم العساكر كلها تنكز نائب الشام، وقدم من مصر ستة آلاف مقاتل عليهم الأمير سيف الدين بكتمر الأبوبكري، وفيهم تجليس وبدر الدين الوزيري، وكتشلي وابن طيبرس وشاطي وابن سلار وغيرهم، فتقدموا إلى البلاد الحلبية بين يدي نائب الشام تنكز‏.‏

 وممن توفي فيها من الأعيان‏:‏

 سودي نائب حلب في رجب

ودفن بتربته، وهو الذي كان السبب في إجراء نهر إليها، غرم عليه ثلاثمائة ألف درهم، وكان مشكور السيرة حميد الطريقة رحمه الله‏.‏

وفي شعبان توفي‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/82‏)‏

 الصاحب شرف الدين

يعقوب بن مزهر وكان باراً بأهله وقرابته رحمه الله‏.‏

 والشيخ رشيد أبو الفداء إسماعيل

أبو محمد القرشي الحنفي المعروف بابن المعلم، كان من أعلام الفقهاء والمفتيين، ولديه علوم شتى وفوائد وفرائد، وعنده زهد وانقطاع عن الناس، وقد درّس بالبلخية مدة ثم تركها لولده وسار إلى مصر فأقام بها، وعرض عليه قضاء دمشق فلم يقبل، وقد جاوز السبعين من العمر، توفي سحر يوم الأربعاء خامس رجب ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى‏.‏

وفي شوال توفي‏:‏

 الشيخ سليمان التركماني

الموله الذي كان يجلس على مصطبته بالعلبيين، وكان قبل ذلك مقيماً بطهارة باب البريد، وكان لا يتحاشى من النجاسات ولا يتقيها، ولا يصلي الصلوات ولا يأتيها، وكان بعض الناس من الهمج له فيه عقيدة قاعدة الهمج الرعاع الذين هم أتباع كل ناعق من المولهين والمجانين، ويزعمون أنه يكاشف وأنه رجل صالح، ودفن بباب الصغير في يوم كثير الثلج‏.‏

وفي يوم عرفة توفيت‏:‏

 الشيخة الصالحة العابدة الناسكة

أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد البغدادية بظاهر القاهرة، وشهدها خلق كثير، وكانت من العالمات الفاضلات، تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، وتقوم على الأحمدية في مواخاتهم النساء والمردان، وتنكر أحوالهم وأصول أهل البدع وغيرهم، وتفعل من ذلك ما لا تقدر عليه الرجال‏.‏

وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستفادت منه ذلك وغيره، وقد سمعت الشيخ تقي الدين يثني عليها ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيراً من المغنى أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها، وهي التي ختّمت نساء كثيراً القرآن‏.‏

منهن أم زوجتي عائشة بنت صديق، زوجة الشيخ جمال الدين المزي، وهي التي أقرأت ابنتها زوجتي أمة الرحيم زينب رحمهن الله وأكرمهن برحمته وجنته آمين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/83‏)‏

 ثم دخلت سنة خمس عشرة وسبعمائة

استهلت والحكام في البلاد هم المذكورون في التي قبلها‏.‏

فتح ملطية

في يوم الاثنين مستهل المحرم خرج سيف الدين تنكز في الجيوش قاصداً ملطية وخرجت الأطلاب على راياتها وأبرزوا ما عندهم من العدد وآلات الحرب، وكان يوماً مشهوداً، وخرج مع الجيش ابن صصرى لأنه قاضي العساكر وقاضي قضاة الشامية، فساروا حتى دخلوا حلب في الحادي عشر من الشهر‏.‏

ومنها وصلوا في السادس عشر إلى بلاد الروم إلى ملطية، فشرعوا في محاصرتها في الحادي والعشرين من المحرم، وقد حصنت ومنعت وغلقت أبوابها، فلما رأوا كثرة الجيش نزل متوليها وقاضيها وطلبوا الأمان فأمنوا المسلمين ودخلوها، فقتلوا من الأرمن خلقاً ومن النصارى وأسروا ذرية كثيرة، وتعدى ذلك إلى بعض المسلمين وغنموا شيئاً كثيراً‏.‏

وأخذت أموال كثير من المسلمين ورجعوا عنها بعد ثلاثة أيام يوم الأربعاء رابع عشرين المحرم إلى عين تاب إلى مرج دابق، وزينت دمشق ودقت البشائر‏.‏

وفي أول صفر رحل نائب ملطية متوجهاً إلى السلطان‏.‏

وفي نصف الشهر وصل قاضيها الشريف شمس الدين ومعه خلق من المسلمين من أهلها، وفي بكرة نهار الجمعة سادس عشر ربيع الأول دخل تنكز دمشق وفي خدمته الجيوش الشامية والمصرية، وخرج الناس للفرجة عليهم على العادة، وأقام المصريون قليلاً، ثم ترحلوا إلى القاهرة‏.‏

وقد كانت ملطية إقطاعاً للجوبان أطلقها له ملك التتر فاستناب بها رجلاً كردياً فتعدى وأساء وظلم، وكاتب أهلها السلطان الناصر وأحبوا أن يكونوا من رعيته، فلما ساروا إليها وأخذوها وفعلوا ما فعلوا فيها جاءها بعد ذلك الجوبان فعمرها ورد إليها خلقاً من الأرمن وغيرهم‏.‏

وفي التاسع عشر من هذا الشهر وصل إلينا الخبر بمسك بكتمر الحاجب وأيد غدي شقير وغيرهما، وكان ذلك يوم الخميس مستهل هذا الشهر، وذلك أنهم اتفقوا على السلطان فبلغه الخبر فمسكهم واحتيط على أموالهم وحواصلهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/84‏)‏

وظهر لبكتمر أموال كثيرة وأمتعة وأخشاب وحواصل كثيرة وقدم مجليس من القاهرة فاجتاز بدمشق إلى ناحية طرابلس، ثم قدم سريعاً ومعه الأمير سيف الدين تمير نائب طرابلس تحت الحوطة، ومسك بدمشق الأمير سيف الدين بهادراص المنصوري فحمل الأول إلى القاهرة، وجعل مكانه في نيابة طرابلس كسناي، وحمل الثاني وحزن الناس عليه ودعوا له‏.‏

وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من ربيع الآخر قدم عز الدين بن مبشر دمشق محتسباً وناظر الأوقاف وانصرف ابن الحداد عن الحسبة، وبهاء الدين عن نظر الأوقاف‏.‏

وفي ليلة الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى وقع حريق قبالة مسجد الشنباشي داخل باب الصغير، احترق فيه دكاكين ودور وأموال وأمتعة‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشر جمادى الآخرة درّس قاضي ملطية الشريف شمس الدين بالمدرسة الخاتونية البرانية، عوضاً عن قاضي القضاة الحنفي البصروي، وحضر عنده الأعيان، وهو رجل له فضيلة وخلق حسن، كان قاضياً بملطية وخطيباً بها نحواً من عشرين سنة‏.‏

وفي يوم الخميس رابع جمادى الآخرة أعيد ابن الحداد إلى الحبسة واستمر ابن مبشر ناظر الأوقاف‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع جمادى الآخرة درس ابن صصرى بالأتابكية عوضاً عن الشيخ صفي الدين الهندي‏.‏

وفي يوم الأربعاء الآخر حضر ابن الزمكاني درس الظاهرية الجوانية عوضاً عن الهندي أيضاً بحكم وفاته كما ستأتي ترجمته‏.‏

وفي أواخر رجب أخرج الأمير آقوش نائب الكرك من سجن القاهرة وأعيد إلى الإمرة‏.‏

وفي شعبان توجه خمسة آلاف من بلاد حلب فأغاروا على بلاد آمد، وفتحوا بلداناً كثيرة، وقتلوا وسبوا وعادوا سالمين، وخمسوا ما سبوا فبلغ سهم الخمس أربعة آلاف رأس وكسور‏.‏

وفي أواخر رمضان وصل قراسنقر المنصوري إلى بغداد ومعه زوجته الخاتون بنت أبغا ملك التتر، وجاء في خدمته خربندا واستأذنه في الغارة على أطراف بلاد المسلمين فلم يأذن له، ووثب عليه رجل فداوي من جهة صاحب مصر فلم يقدر عليه وقتل الفداوي‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشر رمضان درّس بالعادلية الصغيرة الفقيه الإمام فخر الدين محمد بن علي المصري المعروف بابن كاتب قطلوبك، بمقتضى نزول مدرسها كمال الدين بن الزملكاني له عنها، وحضر عنده القضاة والأعيان والخطيب وابن الزملكاني أيضاً‏.‏

وفي هذا الشهر كملت عمارة القيسارية المعروفة بالدهشة عند الوراقين واللبادين وسكنها التجار، فتميزت بذلك أوقاف الجامع، وذلك بمباشرة الصاحب شمس الدين‏.‏

وفي ثامن شوال قتل أحمد الزوسي شهد عليه بالعظائم من ترك الواجبات واستحلال المحرمات واستهانته وتنقيصه بالكتاب والسنة، فحكم المالكي بإراقة دمه وإن أسلم، فاعتقل ثم قتل‏.‏

وفي هذا اليوم كان خروج الركب الشامي وأميره سيف الدين طقتمر وقاضيه قاضي ملطية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/85‏)‏

وحج فيه قاضي حماه وحلب وماردين ومحيي الدين كاتب ملك الأمراء تنكز وصهره فخر الدين المصري‏.‏

 من الأعيان‏:‏

 شرف الدين أبو عبد الله

محمد بن العدل عماد الدين محمد بن أبي الفضل محمد بن أبي الفتح نصر الله بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي ابن القلانسي، ولد سنة ست وأربعين وستمائة، وباشر نظر الخاص‏.‏

وقد شهد قبل ذلك في القيمة ثم تركها، وقد ترك أولاداً وأموالاً جمة، توفي ليلة السبت ثاني عشر صفر ودفن بقاسيون‏.‏

 الشيخ صفي الدين الهندي

أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي الشافعي المتكلم، ولد بالهند سنة أربع وأربعين وستمائة، واشتغل على جده لأمه، وكان فاضلاً، وخرج من دهلي في رجب سنة سبع وستين فحج وجاور بمكة أشهراً، ثم دخل اليمن فأعطاه ملكها المظفر أربعمائة دينار‏.‏

ثم دخل مصر فأقام بها أربع سنين، ثم سافر إلى الروم على طريق إنطاكية فأقام إحدى عشرة سنة بقونية وبسيواس خمساً وبقيسارية سنة، واجتمع بالقاضي سراج الدين فأكرمه، ثم قدم إلى دمشق في سنة خمس وثمانين فأقام بها واستوطنها ودرّس بالرواحية والدولعية والظاهرية والأتابكية وصنف في الأصول والكلام، وتصدى للاشتغال والإفتاء‏.‏

ووقف كتبه بدار الحديث الأشرفية، وكان فيه بر وصلة، توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشرين صفر ودفن بمقابر الصوفية، ولم يكن معه وقت موته سوى الظاهرية وبها مات، فدرّس بعده فيها ابن الزملكاني، وأخذ ابن صصرى الأتابكية‏.‏

 القاضي المسند المعمر الرحلة

تقي الدين سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي الحاكم بدمشق، ولد في نصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع الحديث الكثير وقرأ بنفسه وتفقه وبرع، وولي الحكم وحدث، وكان من خيار الناس وأحسنهم خلقاً وأكثرهم مروءة‏.‏

توفي فجأة بعد مرجعه من البلد وحكمه بالجوزية، فلما صار إلى منزله بالدير تغيرت حاله ومات عقيب صلاة المغرب ليلة الاثنين حادي عشرين ذي القعدة، ودفن من الغد بتربة جده، وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير رحمه الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/86‏)‏

 الشيخ علي بن الشيخ علي الحريري

كان مقدماً في طائفته، مات أبوه وعمره سنتان، توفي في قرية نسر في جمادى الأولى‏.‏

الحكيم الفاضل البارع

 بهاء الدين عبد السيد بن المهذب إسحاق بن يحيى الطبيب الكحال المتشرف بالإسلام، ثم قرأ القرآن جميعه لأنه أسلم على بصيرة، وأسلم على يديه خلق كثير من قومه وغيرهم، وكان مباركاً على نفسه وعليهم، وكان قبل ذلك ديان اليهود، فهداه الله تعالى، وتوفي يوم الأحد سادس جمادى الآخرة ودفن من يومه بسفح قاسيون، أسلم على يدي شيخ الإسلام ابن تيمية لما بين له بطلان دينهم وما هم عليه وما بدلوه من كتابهم وحرفوه من الكلم عن مواضعه رحمه الله‏.‏

 ثم دخلت سنة ست عشرة وسبعمائة

استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها غير الحنبلي بدمشق فإنه توفي في السنة الماضية‏.‏

وفي المحرم تكملت تفرقة المثالات السلطانية بمصر بمقتضى إزالة الأجناد، وعرض الجيش على السلطان، وأبطل، السلطان المكس بسائر البلاد القبلية والشامية‏.‏

وفيه‏:‏ وقعت فتنة بين الحنابلة والشافعية بسبب العقائد، وترافعوا إلى دمشق فحضروا بدار السعادة عند نائب السلطنة تنكز فأصلح بينهم، وانفصل الحال على خير من غير محاققه ولا تشويش على أحد من الفريقين، وذلك يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم‏.‏

وفي يوم الأحد سادس عشر صفر قرئ تقليد قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع الحنبلي، بقضاء الحنابلة والنظر بأوقافهم عوضاً عن تقي الدين سليمان بحكم وفاته رحمه الله، وتاريخ التقليد من سادس ذي الحجة، وقرئ بالجامع الأموي بحضور القضاة والصاحب والأعيان، ثم مشوا معه وعليه الخلعة إلى دار السعادة فسلم على النائب وراح إلى الصالحية، ثم نزل من الغد إلى الجوزية فحكم بها على عادة من تقدمه، واستناب بعد أيام الشيخ شرف الدين بن الحافظ‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع صفر وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر على البريد ومعه توقيع بعود الوكالة إليه، فخلع عليه وسلم على النائب والخلعة عليه‏.‏

وفي هذا الشهر مسك الوزير عز الدين بن القلانسي واعتقل بالعذراوية وصودر بخمسين ألفاً ثم أطلق له ما كان أخذ منه وانفصل من ديوان نظر الخاص‏.‏

وفي ربيع الآخر وصل من مصر فضل بن عيسى وأجري له ولابن أخيه موسى بن مهنا إقطاعات صيدا، وذلك بسبب دخول منها إلى بلاد التتر واجتماعهم بملكهم خربندا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/87‏)‏

وفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى باشر ابن صصرى مشيخة الشيوخ بالسميساطية بسؤال الصوفية وطلبهم له من نائب السلطنة، فحضرها وحضر عنده الأعيان في هذا اليوم عوضاً عن الشريف شهاب الدين أبي القاسم محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن علي بن الحسن بن الحسين بن يحيى بن موسى بن جعفر الصادق، وهو الكاشنغر، توفي عن ثلاث وستين سنة ودفن بالصوفية‏.‏

وفي جمادى الآخرة باشر بهاء الدين إبراهيم بن جمال الدين يحيى الحنفي المعروف بابن علية وهو ناظر ديوان النائب بالشام نظر الدواوين عوضاً عن شمس الدين محمد بن عبد القادر الخطيري الحاسب الكاسب توفي، وقد كان مباشراً عدة من الجهات الكبار، مثل نظر الخزانة ونظر الجامع ونظر المارستان وغير ذلك، واستمر نظر المارستان من يومئذ بأيدي ديوان نائب السلطنة من كان، وصارت عادة مستمرة‏.‏

وفي رجب نقل صاحب حمص الأمير شهاب الدين قرطاي إلى نيابة طرابلس عوضاً عن الأمير سيف الدين التركستاني بحكم وفاته، وولي الأمير سيف الدين إرقطاي نيابة حمص، وتولى نيابة الكرك سيف الدين طقطاي الناصري عوضاً عن سيف الدين تيبغا‏.‏

وفي يوم الأربعاء عاشر رجب درس بالنجيبية القاضي شمس الدين الدمشقي عوضاً عن بهاء الدين يوسف بن جمال الدين أحمد بن الظاهري العجمي الحلبي، سبط الصاحب كمال الدين بن العديم، توفي ودفن عند خاله ووالده بتربة العديم‏.‏

وفي آواخر شعبان وصل القاضي شمس الدين بن عز الدين يحيى الحراني أخو قاضي قضاة الحنابلة بمصر شرف الدين عبد الغني، إلى دمشق متولياً نظر الأوقاف بها عوضاً عن الصاحب عز الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن مبشر، توفي في مستهل رجب بدمشق، وقد باشر نظر الدواوين بها وبمصر، والحسبة وبالإسكندرية وغير ذلك، ولم يكن بقي معه في آخر وقت سوى نظر الأوقاف بدمشق، وقد قارب الثمانين ودفن بقاسيون‏.‏

وفي آخر شوال خرج الركب الشامي وأميرهم سيف الدين أرغون السلحدار الناصري الساكن عند دار الطراز بدمشق، وحج من مصر سيف الدين الدوادار وقاضي القضاة ابن جماعة، وقد زار القدس الشريف في هذه السنة بعد وفاة ولده الخطيب جمال الدين عبد الله، وكان قد رأس وعظم شأنه‏.‏

وفي ذي القعدة سار الأمير سيف الدين تنكز إلى زيارة القدس فغاب عشرين يوماً‏.‏

وفيه‏:‏ وصل الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب إلى دمشق من مصر وقد كان معتقلاً في السجن فأطلق وأكرم وولي نيابة صفد فسار إليها بعد ما قضى أشغاله بدمشق، ونقل القاضي حسام الدين القزويني من قضاء صفد إلى قضاء طرابلس، وأعيدت ولاية قضاء صفد إلى قاضي دمشق فولى فيها ابن صصرى شرف الدين الهاوندي، وكان متولياً طرابلس قبل ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/88‏)‏

ووصل مع بكتمر الحاجب الطواشي ظهير الدين مختار المعروف بالزرعي، متولياً الخزانة بالقلعة عوضاً عن الطواشي ظهير الدين مختار البلستين توفي‏.‏

وفي هذا الشهر أعني ذا القعدة وصلت الأخبار بموت ملك التتر خربندا محمد بن أرغون بن أبغا بن هولاكو قان ملك العراق وخراسان وعراق العجم والروم وأذربيجان والبلاد الأرمينية وديار بكر‏.‏

توفي في السابع والعشرين من رمضان ودفن بتربته بالمدنية التي، أنشأها التي يقال لها السلطانية، وقد جاوز الثلاثين من العمر وكان موصوفاً بالكرم ومحباً للهو واللعب والعمائر، وأظهر الرفض‏.‏

أقام سنة على السنة ثم تحول إلى الرفض أقام شعائره في بلاده وحظي عنده الشيخ جمال الدين بن مطهر الحلي، تلميذ نصير الدين الطوسي، وأقطعه عدة بلاد، ولم يزل على هذا المذهب الفاسد إلى أن مات في هذه السنة، وقد جرت في أيامه فتن كبار ومصائب عظام، فأراح الله منه العباد والبلاد‏.‏

وقام في الملك بعده ولده أبو سعيد وله إحدى عشرة سنة، ومدبر الجيوش والممالك له الأمير جوبان، واستمر في الوزارة على شاه التبريزي، وأخذ أهل دولته بالمصادرة وقتل الأعيان ممن أتهمهم بقتل أبيه مسموماً، ولعب كثير من الناس به في أول دولته ثم عدل إلى العدل وإقامة السنة، فأمر بإقامة الخطبة بالترضي عن الشيخين أولاً ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم‏.‏

ففرح الناس بذلك وسكنت بذلك الفتن والشرور والقتال الذي كان بين أهل تلك البلاد وبهراة وأصبهان وبغداد وإربل وساوه وغير ذلك، وكان صاحب مكة الأمير خميصة بن أبي نمي الحسني، قد قصد ملك التتر خربندا لينصره على أهل مكة فساعده الروافض هناك وجهزوا معه جيشاً كثيفاً من خراسان، فلما مات خربندا بطل ذلك بالكلية، وعاد خميصة خائباً خاسئاً‏.‏

وفي صحبته أمير من كبار الروافض من التتر يقال له الدلقندي، وقد جمع لخميصة أموالاً كثيرة ليقيم بها الرفض في بلاد الحجاز، فوقع بهما الأمير محمد بن عيسى أخو مهنا، وقد كان في بلاد التتر أيضاً ومعه جماعة من العرب، فقهرهما ومن كان معهما، ونهب ما كان معهما من الأموال وحضرت الرجال‏.‏

وبلغت أخبار ذلك إلى الدولة الإسلامية فرضي عنه الملك الناصر وأهل دولته، وغسل ذلك ذنبه عنده، فاستدعى به السلطان إلى حضرته فحضر سامعاً مطيعاً فأكرمه نائب الشام، فلما وصل إلى السلطان أكرمه أيضاً، ثم إنه استفتى الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكذلك أرسل إليه السلطان يسأله عن الأموال التي أخذت من الدلقندي، فأفتاهم أنها تصرف في المصالح التي يعود نفعها على المسلمين، لأنها كانت معدة لعناد الحق ونصرة أهل البدعة على السنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/89‏)‏

 من الأعيان‏:‏

عز الدين المبشر، والشهاب الكاشنغيري شيخ الشيوخ والبهاء العجمي مدرس النجيبية‏.‏

وفيها‏:‏ قتل خطيب المزة قتله رجل جبلي ضربه بفأس اللحام في رأسه في السوق فبقي أياماً ومات، وأخذ القاتل فشنق في السوق الذي قتل فيه، وذلك يوم الأحد ثالث عشر ربيع الآخر ودفن هناك وقد جاوز الستين‏.‏

 الشرف صالح بن محمد بن عربشاه

ابن أبي بكر الهمداني، مات في جمادى الآخرة ودفن بمقابر النيرب، وكان مشهوراً بطيب القراءة وحسن السيرة، وقد سمع الحديث وروى جزءاً‏.‏

 ابن عرفة صاحب التذكرة الكندية

الشيخ الإمام المقرئ المحدث النحوي الأديب علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر بن زيد بن هبة الله الكندي الإسكندراني، ثم الدمشقي، سمع الحديث على أزيد من مائتي شيخ وقرأ القراءات السبع، وحصل علوماً جيدة، ونظم الشعر الحسن الرائق الفائق، وجمع كتاباً في نحو من خمسين مجلداً، فيه علوم جمة أكثرها أدبيات سماها التذكرة الكندية‏.‏

وقفها بالسميساطية وكتب حسناً وحسب جيداً وخدم في عدة خدم، وولي مشيخة دار الحديث النفيسية في مدة عشر سنين وقرأ صحيح البخاري مرات عديدة، وأسمع الحديث، وكان يلوذ بشيخ الإسلام ابن تيمية، وتوفي ببستان عند قبة المسجد ليلة الأربعاء سابع عشر رجب، ودفن بالمزة عن ست وسبعين سنة‏.‏

 الطواشي ظهير الدين مختار

البكنسي الخزندار بالقلعة وأحد أمراء الطبلخانات بدمشق، كان زكياً خبيراً فاضلاً، يحفظ القرآن ويؤديه بصوت طيب، ووقف مكتباً للأيتام على باب قلعة دمشق، ورتب لهم الكسوة و الجامكية، وكان يمتحنهم بنفسه ويفرح بهم، وعمل تربة خارج باب الجابية ووقف عليها القريتين وبنى عندها مسجداً حسناً ووقفه بإمام وهي من أوائل ما عمل من الترب بذلك الخط، ودفن بها في يوم الخميس عاشر شعبان رحمه الله، وكان حسن الشكل والأخلاق، عليه سكينة ووقار وهيبة وله وجاهة في الدولة سامحه الله‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/90‏)‏

وولي بعده الخزانة سميه ظهير الدين مختار الزرعي‏.‏

 الأمير بدر الدين

محمد بن الوزيري، كان من الأمراء المقدمين، ولديه فضيلة ومعرفة وخبرة، وقد ناب عن السلطان بدار العدل مرة بمصر، وكان حاجب الميسرة، وتكلم في الأوقاف وفيما يتعلق بالقضاة والمدرسين، ثم نقل إلى دمشق فمات بها في سادس عشر شعبان، ودفن بميدان الحصى فوق خان النجيبي، وخلف تركة عظيمة‏.‏

 الشيخة الصالحة

ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا، راوية صحيح البخاري وغيره، جاوزت التسعين سنة، وكانت من الصالحات، توفيت ليلة الخميس ثامن عشر شعبان ودفنت بتربتهم فوق جامع المظفري بقاسيون‏.‏

 القاضي محب الدين

أبو الحسن ابن قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، استنابه أبوه في أيامه وزوجه بابنة الحاكم بأمر الله، ودرّس بالكهارية ورأس بعد أبيه، وكانت وفاته يوم الاثنين تاسع عشر رمضان، وقد قارب الستين، ودفن عند أبيه بالقرافة‏.‏

الشيخة الصالحة

 ست المنعم بنت عبد الرحمن بن علي بن عبدوس الحرانية، والدة الشيخ تقي الدين بن تيمية عمرت فوق السبعين سنة، ولم ترزق بنتاً قط، توفيت يوم الأربعاء العشرين من شوال ودفنت بالصوفية وحضر جنازتها خلق كثير وجم غفير رحمها الله‏.‏

 الشيخ نجم الدين موسى بن علي بن محمد

الجيلي ثم الدمشقي، الكاتب الفاضل المعروف بابن البصيص، شيخ صناعة الكتابة في زمانه لا سيما في المزوج والمثلث‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/91‏)‏

وقد أقام يكتب الناس خمسين سنة، وأنا ممن كتب عليه أثابه الله‏.‏

وكان شيخاً حسناً بهي المنظر يشعر جيداً، توفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة ودفن بمقابر الباب الصغير وله خمس وستون سنة‏.‏

 الشيخ تقي الدين الموصلي

أبو بكر بن أبي الكرم شيخ القراءة عند محراب الصحابة، وشيخ ميعاد بن عامر مدة طويلة، وقد انتفع الناس به نحواً من خمسين سنة، في التلقين والقراءات، وختم خلقاً كثيراً، وكان يقصد لذلك ويجمع تصديقات يقولها الصبيان ليالي ختمهم، وقد سمع الحديث وكان خيراً ديناً، توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي القعدة، ودفن بباب الصغير رحمه الله‏.‏

 الشيخ الصالح الزاهد المقري

أبو عبد الله محمد بن الخطيب سلامة بن سالم بن الحسن بن ينبوب الماليني، أحد الصلحاء المشهورين بجامع دمشق، سمع الحديث وأقرأ الناس نحواً من خمسين سنة، وكان يفصح الأولاد في الحروف الصعبة، وكان مبتلى في فمه يحمل طاسة تحت فمه من كثرة ما يسيل منه من الريال وغيره وقد جاوز الثمانين بأربع سنين‏.‏

توفي بالمدرسة الصارمية يوم الأحد ثاني عشر ذي القعدة، ودفن بباب الصغير بالقرب من القندلاوي، وحضر جنازته خلق كثير جداً نحواً من عشرة آلاف رحمه الله تعالى‏.‏

 الشيخ الصدر ابن الوكيل

هو العلامة أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام مفتي المسلمين زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل شيخ الشافعية في زمانه، وأشهرهم في وقته بالفضيلة وكثرة الاشتغال والمطالعة والتحصيل والافتنان بالعلوم العديدة‏.‏

وقد أجاد معرفة المذهب والأصلين، ولم يكن بالنحو بذاك القوي، وكان يقع منه اللحن الكثير، مع أنه قرأ منه المفصل للزمخشري، وكانت له محفوظات كثيرة، ولد في شوال سنة خمس وستين وستمائة، وسمع الحديث على المشايخ، من ذلك مسند أحمد على ابن علان، والكتب الستة، وقرئ عليه قطعة كبيرة من صحيح مسلم بدار الحديث عن الأمير الأربلي والعامري والمزي‏.‏

وكان يتكلم على الحديث بكلام مجموع من علوم كثيرة، من الطب والفلسفة وعلم الكلام، وليس ذلك بعلم، وعلوم الأوائل، وكان يكثر من ذلك، وكان يقول الشعر جيداً، وله ديوان مجموع مشتمل على أشياء لطيفة، وكان له أصحاب يحسدونه ويحبونه، وآخرون يحسدونه ويبغضونه، وكانوا يتكلمون فيه بأشياء ويرمونه بالعظائم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/92‏)‏

وقد كان مسرفاً على نفسه قد ألقى جلباب الحياء فيما يتعاطاه من القاذورات والفواحش، وكان ينصب العداوة للشيخ ابن تيمية ويناظره في كثير من المحافل والمجالس، وكان يعترف للشيخ تقي الدين بالعلوم الباهرة ويثني عليه، ولكنه كان يجاحف عن مذهبه وناحيته وهواه، وينافح عن طائفته‏.‏

وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يثني عليه وعلى علومه وفضائله ويشهد له بالإسلام إذا قيل له عن أفعاله وأعماله القبيحة، وكان يقول‏:‏ كان مخلطاً على نفسه متبعاً مراد الشيطان منه، يميل إلى الشهوة والمحاضرة، ولم يكن كما يقول فيه بعض أصحابه ممن يحسده ويتكلم فيه هذا أو ما هو في معناه‏.‏

وقد درّس بعدة مدارس بمصر والشام، ودرس بدمشق بالشاميتين والعذراوية ودار الحديث الأشرفية، وولي في وقت الخطابة أياماً يسيرة كما تقدم، ثم قام الخلق عليه وأخرجوها من يده، ولم يرق منبرها، ثم خالط نائب السلطنة الأفرم فجرت له أمور لا يمكن ذكرها ولا يحسبن من القبائح ثم آل به الحال على أن عزم على الانتقال من دمشق إلى حلب لاستحوازه على قلب نائبها، فأقام بها ودرّس‏.‏

ثم تردد في الرسلية بين السلطان ومهنا صحبة أرغون والطنبغا، ثم استقر به المنزل بمصر ودرّس فيها بمشهد الحسين إلى أن توفي بها بكرة نهار الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة بداره قريباً من جامع الحاكم، ودفن من يومه قريباً من الشيخ محمد بن أبي جمرة بتربة القاضي ناظر الجيش بالقرافة، ولما بلغت وفاته دمشق صلّي عليه بجامعها صلاة الغائب بعد الجمعة ثالث المحرم من السنة الآتية، ورثاه جماعة منهم ابن غانم علاء الدين، والقجقازي، والصفدي، لأنهم كانوا من عشرائه‏.‏

وفي يوم عرفة توفي‏:‏

 الشيخ عماد الدين إسماعيل الفوعي

وكيل قجليس، وهو الذي بنى له الباشورة على باب الصغير بالبرانية الغربية، وكانت فيه نهضة وكفاية، وكان من بيت الرفض، اتفق أنه استحضره نائب السلطنة فضربه بين يديه، وقام النائب إليه بنفسه فجعل يضربه بالمهاميز في وجهه فرفع من بين يديه وهو تالف فمات في يوم عرفة، ودفن من يومه بسفح قاسيون وله دار ظاهر باب الفراديس‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع عشرة وسبعمائة

استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها‏.‏

وفي صفر شرع في عمارة الجامع الذي أنشأه ملك الأمراء تنكز نائب الشام ظاهر باب النصر تجاه حكر السماق على نهر بانياس بدمشق وتردد القضاة والعلماء في تحرير قبلته، فاستقر الحال في أمرها على ما قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية في يوم الأحد الخامس والعشرين منه، وشرعوا في بنائه بأمر السلطان، ومساعدته لنائبه في ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/93‏)‏

وفي صفر هذا جاء سيل عظيم بمدينة بعلبك أهلك خلقاً كثيراً من الناس، وخرب دوراً وعمائر كثيرة، وذلك في يوم الثلاثاء سابع وعشرين صفر‏.‏

وملخص ذلك أنه قبل ذلك جاءهم رعد وبرق عظيم معهما برد ومطر، فسالت الأودية، ثم جاءهم بعده سيل هائل خسف من سور البلد من جهة الشمال شرق مقدار أربعين ذراعاً، مع أن سمك الحائط خمسة أذرع، وحمل برجاً صحيحاً ومعه من جانبيه مدينتين، فحمله كما هو حتى مر فحفر في الأرض نحو خمسمائة ذراع سعة ثلاثين ذراعاً‏.‏

وحمل السيل ذلك إلى غربي البلد، لا يمر على شيء إلا أتلفه، ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فأتلف ما يزيد على ثلثها، ودخل الجامع فارتفع فيه على قامة ونصف، ثم قوي على حائطه الغربي فأخربه وأتلف جميع ما فيه الحواصل والكتب والمصاحف وأتلف شيئاً كثيراً من رباغ الجامع‏.‏

وهلك تحت الهدم خلق كثير من الرجال والنساء والأطفال، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وغرق في الجامع الشيخ علي بن محمد بن الشيخ علي الحريري هو وجماعة معه من الفقراء، ويقال كان من جملة من هلك في هذه الكائنة من أهل بعلبك مائة وأربعة وأربعون نفساً سوى الغرباء، وجملة الدور التي خربها والحوانيت التي أتلفها نحو من ستمائة دار وحانوت، وجملة البساتين التي جرف أشجارها عشرون بستاناً، ومن الطوحين ثمانية سوى الجامع والأمينية وأما الأماكن التي دخلها وأتلف ما فيها ولم تخرب فكثير جداً‏.‏

وفي هذه السنة زاد النيل زيادة عظيمة لم يسمع بمثلها من مدد، وغرق بلاداً كثيرة، وهلك فيها ناس كثير أيضاً، وغرق منية السبرج فهلك الناس فيها شيء كثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفي مستهل ربيع الآخر منها أغار جيش حلب على مدينة آمد فنهبوا وسبوا وعادوا سالمين‏.‏

وفي يوم السبت تاسع وعشرين منه قدم قاضي المالكية إلى الشام من مصر وهو الإمام العلامة فخر الدين أبو العباس أحمد بن سلامة بن أحمد بن أحمد بن سلامة الإسكندري المالكي، على قضاء دمشق عوضاً عن قاضي القضاة جمال الدين الزواوي لضعفه واشتداد مرضه، فالتقاه القضاة والأعيان، وقرئ تقليده بالجامع ثاني يوم وصوله، وهو مؤرخ بثاني عشر الشهر، وقدم نائبه الفقيه نور الدين السخاوي درّس بالجامع في جمادى الأولى‏.‏

وحضر عنده الأعيان، وشكرت فضائله وعلومه ونزاهته وصرامته وديانته، وبعد ذلك بتسعة أيام توفي الزواوي المعزول، وقد باشر القضاء بدمشق ثلاثين سنة‏.‏

وفيها‏:‏ أفرج عن الأمير سيف الدين بهادرآص من سجن الكرك وحمل إلى القاهرة وأكرمه السلطان، وكان سجنه بها مطاوعة لإشارة نائب الشام بسبب ما كان وقع بينهما بملطية‏.‏

وخرج المحمل في يوم الخميس تاسع شوال، وأمير الحج سيف الدين كجكني المنصوري‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/94‏)‏

وممن حج قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وابن أخيه شرف الدين وكمال الدين بن الشيرازي والقاضي جلال الدين الحنفي والشيخ شرف الدين بن تيمية وخلق‏.‏

وفي سادس هذا الشهر درس بالجاروضية القاضي جلال الدين محمد بن الشيخ كمال الدين الشريشي بعد وفاة الشيخ شرف الدين بن أبي سلام، وحضر عنده الأعيان، وفي التاسع عشر منه درس ابن الزملكاني بالعذراوية عوضاً عن ابن سلام، وفيه، درس الشيخ شرف الدين بن تيمية بالحنبلية عن إذن أخيه له بذلك بعد وفاة أخيهما لأمهما بدر الدين قاسم بن محمد ابن خالد‏.‏

ثم سافر الشيخ شرف الدين إلى الحج، وحضر الشيخ تقي الدين الدرس بنفسه، وحضر عنده خلق كثير من الأعيان وغيرهم حتى عاد أخوه، وبعد عوده أيضاً، وجاءت الأخبار بأنه قد أبطلت الخمور والفواحش كلها من بلاد السواحل وطرابلس وغيرها، ووضعت مكوس كثيرة عن الناس هنالك، وبنيت بقرى النصيرية في كل قرية مسجد ولله الحمد والمنة‏.‏

وفي بكرة نهار الثلاثاء الثامن والعشرين من شوال وصل الشيخ الإمام العلامة شيخ الكتاب شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي على البريد من مصر إلى دمشق متولياً كتابة السر بها، عوضاً عن شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله توفي إلى رحمة الله‏.‏

وفي ذي القعدة يوم الأحد درس بالصمصامية التي جددت للمالكية وقد وقف عليها الصاحب شمس الدين غبريال درساً، ودرس بها فقهاء، وعين تدريسها لنائب الحكم الفقيه نور الدين على بن عبد البصير المالكي، وحضر عنده القضاة والأعيان وممن حضر عنده الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان يعرفه من إسكندرية، وفيه درس بالدخوارية الشيخ جمال الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد الكحال، ورتب في رياسة الطب عوضاً عن أمين الدين سليمان الطبيب، بمرسوم نائب السلطنة تنكز، واختاره لذلك‏.‏

واتفق انه في هذا الشهر تجمع جماعة من التجار بماردين وانضاف إليهم خلق من الجفال من الغلا قاصدين بلاد الشام، حتى إذا كانوا بمرحلتين من رأس العين لحقهم ستون فارساً من التتار فمالوا عليهم بالنشاب وقتلوهم عن آخرهم، ولم يبق منهم سوى صبيانهم نحو سبعين صبياً، فقالوا من يقتل هؤلاء‏؟‏ فقال واحد‏:‏ منهم أنا بشرط أن تنفلوني بمال من الغنيمة، فقتلهم كلهم عن آخرهم، وكان جملة من قتل من التجار ستمائة، ومن الجفلان ثلاثمائة من المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وردموا بهم خمس صهاريج هناك حتى امتلأت بهم رحمهم الله، ولم يسلم من الجميع سوى رجل واحد تركماني، هرب وجاء إلى رأس العين فأخبر الناس بما رأى وشاهد من هذا الأمر الفظيع المؤلم الوجيع، فاجتهد متسلم ديار بكر سوياي في طلب أولئك التتر حتى أهلكهم عن آخرهم، ولم يبق منهم سوى رجلين، لا جمع الله بهم شملاً ولا بهم مرحباً ولا أهلاً‏.‏آمين يا رب العالمين‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/95‏)‏

 صفة خروج المهدي الضال بأرض جبلة

وفي هذه السنة خرجت النصيرية عن الطاعة وكان من بينهم رجل سموه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، وتارة يدّعي علي بن أبي طالب فاطر السماوات والأرض، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وتارة يدّعي أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد، وخرج يكفر المسلمين وأن النصيرية على الحق، واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيرية الضلال، وعين لكل إنسان منهم تقدمه ألف، وبلاداً كثيرة ونيابات، وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها وقتلوا خلقاً من أهلها، وخرجوا منها يقولون لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان‏.‏

وسبّوا الشيخين، وصاح أهل البلد وا إسلاماه، وا سلطاناه، وا أميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل، فجمع هذا الضال تلك الأموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبحهم الله أجمعين‏.‏

وقال لهم لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة، ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها‏.‏

ونادى في تلك البلاد إن المقاسمة بالعشر لا غير ليرغب فيه، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين‏:‏ قل لا إله إلا علي، واسجد لآلهك المهدي، الذي يحيى ويميت حتى يحقن دمك، ويكتب لك فرمان، وتجهزوا وعملوا أمراً عظيماً جداً‏.‏

فجردت إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وجماً غفيراً، وقتل المهدي أضلهم وهو يكون يوم القيامة مقدمهم إلى عذاب السعير، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ * ‏}‏ ذلك بما قدمت يداك الآية ‏[‏الحج‏:‏ 3-4‏]‏‏.‏

وفيها‏:‏ حج الأمير حسام الدين مهنا وولده سليمان في ستة آلاف، وأخوه محمد بن عيسى في أربعة آلاف، ولم يجتمع مهنا بأحد من المصريين ولا الشاميين، وقد كان في المصريين قجليس وغيره والله أعلم‏.‏

 وممن توفي بها من الأعيان‏:‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/96‏)‏

الشيخ الصالح

 أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله المنتزه كان فاضلاً، وكتب حسناً نسخ ‏(‏التنبيه‏)‏ و‏(‏العمدة‏)‏ وغير ذلك، وكان الناس ينتفعون به ويقابلون عليه ذلك ويصححون عليه، ويجلسون إليه عند صندوق كان له في الجامع، توفي ليلة الاثنين سادس محرم ودفن بالصوفية، وقد صححت عليه في العمدة وغيره‏.‏

 الشيخ شهاب الدين الرومي

أحمد بن محمد بن إبراهيم بن المراغي، درس بالعينية، وأم بمحراب الحنفية بمقصورتهم الغربية إذ كان محرابهم هناك، وتولى مشيخة الخاتونية، وكان يؤم بنائب السلطان الأفرم، وكان يقرأ حسناً بصوت مليح، وكانت له مكانة عنده، وربما راح إليه الأفرم ماشياً حتى يدخل عليه زاويته التي أنشأها بالشرق الشمالي على الميدان الكبير، ولما توفي بالمحرم ودفن بالصوفية قام ولداه عماد الدين وشرف الدين بوظائفه‏.‏

الشيخ الصالح العدل

 قمر الدين عثمان بن أبي الوفا بن نعمة الله الأعزازي، كان ذا ثروة من المال كثير المروءة والبلاوة أدى الأمانة في ستين ألف دينار وجواهر لا يعلم بها إلا الله عز وجل، بعد ما مات صاحبها مجرداً في الغزاة وهو عز الدين الجراحي نائب غزة، أودعه إياها فأداها إلى أهلها أثابه الله، ولهذا لما مات يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر حضر جنازته خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى، حتى قيل إنهم لم يجتمعوا في مثلها قبل ذلك، ودفن بباب الصغير رحمه الله‏.‏

قاضي القضاة

 جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن يوسف الزواوي قاضي المالكية بدمشق، من سنة سبع وثمانين وستمائة، قدم مصر من المغرب واشتغل بها وأخذ عن مشايخها منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم قدم دمشق قاضياً في سنة سبع وثمانين وستمائة، وكان مولده تقريباً في سنة تسع وعشرين وستمائة‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/97‏)‏

وأقام شعار مذهب مالك وعمر الصمصامية في أيامه وجدد عمارة النورية، وحدث ‏(‏بصحيح مسلم‏)‏ و‏(‏موطأ مالك‏)‏ عن يحيى بن يحيى عن مالك، و‏(‏كتاب الشفا‏)‏ للقاضي عياض، وعزل قبل وفاته بعشرين يوماً عن القضاء، وهذا من خيره حيث لم يمت قاضياً، توفي بالمدرسة الصمصامية يوم الخميس التاسع من جمادى الآخرة، وصلّي عليه بعد الجمعة ودفن بمقابر باب الصغير تجاه مسجد النارنج وحضر الناس جنازته وأثنوا عليه خيراً، وقد جاوز الثمانين كمالك رحمه الله‏.‏

ولم يبلغ إلى سبعة عشر من عمره على مقتضى مذهبه أيضاً‏.‏

القاضي الصدر الرئيس

 رئيس الكتاب شرف الدين أبو محمد عبد الوهاب بن جمال الدين فضل الله بن الحلي القرشي العدوي المعمري، ولد سنة تسع وعشرين وستمائة وسمع الحديث وخدم وارتفعت منزلته حتى كتب الإنشاء بمصر، ثم نقل إلى كتابة السر بدمشق إلى أن توفي في ثامن رمضان، ودفن بقاسيون، وقد قارب التسعين، وهو ممتع بحواسه وقواه، وكانت له عقيدة حسنة في العلماء، ولا سيما في ابن تيمية وفي الصلحاء رحمه الله‏.‏

وقد رثاه الشهاب محمود كاتب السر بعده بدمشق، وعلاء الدين بن غانم وجمال الدين بن نباتة‏.‏

الفقيه الإمام العالم المناظر

 شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن الإمام كمال الدين علي بن إسحاق بن سلام الدمشقي الشافعي، ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، واشتغل وبرع وحصل ودرس بالجاروخية والعذراوية، وأعاد بالظاهرية وأفتى بدار العدل، وكان واسع الصدر كثير الهمة كريم النفس مشكوراً في فهمه وخطه وحفظه وفصاحته ومناظرته، توفي في رابع عشرين رمضان وترك أولاداً وديناً كثيراً، فوفته عنه زوجته بنت زويزان تقبل الله منها وأحسن إليها‏.‏

الصاحب أنيس الملوك

 بدر الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الأربلي ولد سنة ثمان وثلاثين وستمائة، واشتغل بالأدب فحصل على جانب جيد منه وارتزق عند الملوك به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/98‏)‏

فمن رقيق شعره ما أورده الشيخ علم الدين في ترجمته قوله‏:‏

ومدامة حمراء تشـ* ـبه خد من أهو ودمعي

يسعى بها قمر أعز * ز علي من نظري وسمعي

وقوله في مغنية‏:‏

وعزيزة هيفاء ناعمة الصبا * طوع العناق مريضة الأجفان

غنت وماس قومها فكأنها الـ * ـورقاء تسجع فوق غصن البان

الصدر الرئيس شرف الدين محمد بن جمال الدين إبراهيم

ابن شرف الدين عبد الرحمن بن أمين الدين سالم بن الحافظ بهاء الدين الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى، ذهب إلى الحجاز الشريف، فلما كانوا ببردى اعتراه مرض ولم يزل به حتى مات، توفي بمكة وهو محرم ملبٍ، فشهد الناس جنازته وغبطوه بهذه الموتة‏.‏

وكانت وفاته يوم الجمعة آخر النهار سابع ذي الحجة ودفن ضحى يوم السبت بمقبرة بباب الحجون رحمه الله تعالى وأكرم مثواه‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان عشرة وسبعمائة

الخليفة والسلطان هما هما، وكذلك النواب والقضاة سوى المالكي بدمشق فإنه العلامة فخر الدين بن سلامة بعد القاضي جمال الدين الزواوي رحمه الله‏.‏

ووصلت الأخبار في المحرم من بلاد الجزيرة وبلاد الشرق سنجار والموصل وماردين وتلك النواحي بغلاء عظيم وفناء شديد، وقلة الأمطار، وخوف التتار، وعدم الأقوات وغلاء الأسعار، وقلة النفقات، وزوال النعم، وحلول النقم، بحيث إنهم أكلوا ما وجدوه من الجمادات والحيوانات والميتات‏.‏

وباعوا حتى أولادهم وأهاليهم، فبيع الولد بخمسين درهماً وأقل من ذلك، حتى إن كثير كانوا لا يشترون من أولاد المسلمين، وكانت المرأة تصرح بأنها نصرانية ليشترى منها ولدها لتنتفع بثمنه ويحصل له من يطعمه فيعيش، وتأمن عليه من الهلاك، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/99‏)‏

ووقعت أحوال صعبة يطول ذكرها، وتنبو الأسماع عن وصفها، وقد ترحلت منهم فرقة قريب الأربعمائة إلى ناحية مراغة فسقط عليهم ثلج أهلكهم عن آخرهم، وصحبت طائفة منهم فرقة من التتار، فلما انتهوا إلى عقبة صعدها التتار ثم منعوهم أن يصعدوها لئلا يتكلفوا بهم فماتوا عن آخرهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم‏.‏

وفي بكرة الاثنين السابع من صفر قدم القاضي كريم الدين عبد الكريم بن العلم هبة الله وكيل الخاص السلطاني بالبلاد جميعها، قدم إلى دمشق فنزل بدار السعادة وأقام بها أربعة أيام وأمر ببناء جامع القبيبات، الذي يقال له جامع كريم الدين، وراح لزيارة بيت المقدس، وتصدق بصدقات كثيرة وافرة، وشرع ببناء جامع بعد سفره‏.‏

وفي ثاني صفر جاءت ريح شديدة ببلاد طرابلس على ذوق تركمان فأهلكت لهم كثيراً من الأمتعة، وقتلت أميراً منهم يقال له طرالي وزوجته وابنتيه وابني ابنيه وجاريته وأحد عشر نفساً، وقتلت جمالاً كثيرة وغيرها‏.‏

وكسرت الأمتعة والأثاث وكانت ترفع البعير في الهواء مقدار عشرة أرماح ثم تلقيه مقطعاً، ثم سقط بعد ذلك مطر شديد وبرد عظيم بحيث أتلف زروعاً كثيرة في قرى عديدة نحو من أربعة وعشرين قرية، حتى أنها لا ترد بدارها‏.‏

وفي صفر أخرج الأمير سيف الدين طغاي الحاصلي إلى نيابة صفد فأقيم بها شهرين ثم مسك، والصاحب أمين الدين إلى نظر الأوقاف بطرابلس على معلوم وافر‏.‏

قال الشيخ علم الدين وفي يوم الخميس منتصف ربيع الأول اجتمع قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم بالشيخ الإمام العلامة تقي الدين بن تيمية، وأشار عليه في ترك الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، فقبل الشيخ نصيحته وأجاب إلى ما أشار به، رعاية لخاطره وخواطر الجماعة المفتيين‏.‏

ثم ورد البريد في مستهل جمادى الأولى بكتاب من السلطان فيه منع الشيخ تقي الدين من الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق وانعقد بذلك مجلس، وانفصل الحال على ما رسم به السلطان، ونودي به في البلد، وكان قبل قدوم المرسوم قد اجتمع بالقاضي ابن مسلم الحنبلي جماعة من المفتيين الكبار، وقالوا له أن ينصح الشيخ في ترك الإفتاء في مسألة الطلاق، فعلم الشيخ نصيحته، وأنه إنما قصد بذلك ترك ثوران فتنة وشر‏.‏

وفي عاشره جاء البريد إلى صفد بمسك سيف الدين طغاي، وتولية بدر الدين القرماني نيابة حمص‏.‏

وفي هذا الشهر كان مقتل رشيد الدولة فضل الله بن أبي الخير بن عالي الهمداني، كان أصله يهودياً عطاراً، فتقدم بالطب وشملته السعادة حتى كان عند خربندا الجزء الذي لا يتجزأ، وعلت رتبته وكلمته، وتولى مناصب الوزراء، وحصل له من الأموال والأملاك والسعادة ما لا يحد ولا يوصف، وكان قد أظهر الإسلام‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/100‏)‏

وكانت لديه فضائل جمة، وقد فسر القرآن وصنف كتباً كثيرة، وكان له أولاد وثروة عظيمة، وبلغ الثمانين من العمر، وكانت له يد جيدة يوم الرحبة، فإنه صانع عن المسلمين وأتقن القضية في رجوع ملك التتار عن البلاد الشامية، سنة ثنتي عشرة كما تقدم‏.‏

وكان يناصح الإسلام، ولكن قد نال منه خلق كثير من الناس واتهموه على الدين وتكلموا في تفسيره هذا، ولا شك أنه كان مخبطاً مخلطاً، وليس لديه علم نافع، ولا عمل صالح‏.‏

ولما تولى أبو سعيد المملكة عزله وبقي مدة خاملاً ثم استدعاه جوبان وقال له‏:‏ أنت سقيت السلطان خربندا سماً‏؟‏ فقال له‏:‏ أنا كنت في غاية الحقارة والذلة، فصرت في أيامه وأيام أبيه في غاية العظمة والعزة، فكيف أعمد إلى سقيه والحالة هذه‏؟‏ فأحضرت الأطباء فذكروا صورة مرض خربندا وصفته، وأن الرشيد أشار بإسهاله لما عنده في باطنه من الحواصل، فانطلق باطنه نحواً من سبعين مجلساً، فمات بذلك على وجه أنه أخطأ في الطب‏.‏

فقال‏:‏ فأنت إذاً قتلته، فقتله وولده إبراهيم واحتيط على حواصله وأمواله، فبلغت شيئاً كثيراً، وقطعت أعضاؤه وحمل كل جزء منها إلى بلدة، ونودي على رأسه بتبريز هذا رأس اليهودي الذي بدل كلام الله لعنه الله، ثم أحرقت جثته، وكان القائم عليه علي شاه‏.‏

وفي هذا الشهر - أعني جمادى الأولى - تولى قضاء المالكية بمصر تقي الدين الأخنائي عوضاً عن زين الدين بن مخلوف توفي عن أربع وثمانين سنة، وله في الحكم ثلاث وثلاثون سنة‏.‏

وفي يوم الخميس عاشر رجب لبس صلاح الدين يوسف بن الملك الأوحد خلعة الإمرة بمرسوم السلطان‏.‏

وفي آخر رجب جاء سيل عظيم بظاهر حمص خرب شيئاً كثيراً، وجاء إلى البلد ليدخلها فمنعه الخندق‏.‏

وفي شعبان تكامل بناء الجامع الذي عمره تنكز ظاهر باب النصر، وأقيمت الجمعة فيه عاشر شعبان، وخطب فيه الشيخ نجم الدين علي بن داود بن يحيى الحنفي المعروف بالفقجازي، من مشاهير الفضلاء ذوي الفنون المتعددة، وحضر نائب السلطنة والقضاة والأعيان والقراء والمنشدون وكان يوماً مشهوداً‏.‏

وفي يوم الجمعة التي يليها خطب بجامع القبيبات الذي أنشأه كريم الدين وكيل السلطان، وحضر فيه القضاة والأعيان، وخطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الواحد بن يوسف بن الرزين الحراني الأسدي الحنبلي، وهو من الصالحين الكبار، ذوي الزهادة والعبادة والنسك والتوجه وطيب الصوت وحسن السمت‏.‏

وفي حادي عشر رمضان خرج الشيخ شمس الدين بن النقيب إلى حمص حاكماً بها مطلوباً مولى مرغوباً فيه، وخرج الناس لتوديعه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/101‏)‏

وفي هذا الشهر حصل سيل عظيم بسلمية ومثله بالشوبك، وخرج المحمل في شوال وأمير الركب الأمير علاء الدين بن معبد والي البر، وقاضيه زين الدين ابن قاضي الخليل الحاكم بحلب‏.‏

 وممن حج في هذه السنة من الأعيان‏:‏

 الشيخ برهان الدين الفزاري وكمال الدين بن الشريشي وولده وبدر الدين بن العطار‏.‏

وفي الحادي والعشرين من ذي الحجة انتقل الأمير فخر الدين إياس الأعسري من شد الدواوين بدمشق إلى طرابلس أميراً‏.‏

وفي يوم الجمعة السابع عشر ذي الحجة أقيمت الجمعة في الجامع الذي أنشأه الصاحب شمس الدين غبريال ناظر الدواوين بدمشق خارج باب شرقي، إلى جانب ضرار بن الأزور بالقرب من محلة القساطلة‏.‏

وخطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن التدمري المعروف بالنيرباني، وهو من كبار الصالحين ذوي العبادة والزهادة، وهو من أصحاب شيخ الإسلام ابن يتيمة، وحضره الصاحب المذكور وجماعة من القضاة والأعيان‏.‏

وفي يوم الاثنين والعشرين من ذي الحجة باشر الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي المحدث الحافظ بتربة أم الصالح عوضاً عن كمال الدين بن الشريشي توفي بطريق الحجاز في شوال، وقد كان له في مشيختها ثلاث وثلاثون سنة، وحضر عند الذهبي جماعة من القضاة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء صبيحة هذا الدرس أحضر الفقيه زين الدين بن عبيدان الحنبلي من بعلبك وحوقق على منام رآه زعم أنه رآه بين النائم واليقظان، وفيه تخليط وتخبيط وكلام كثير لا يصدر عن مستقيم المزاج، كان كتبه بخطه وبعثه لي بعض أصحابه، فاستسلمه القاضي الشافعي وحقن دمه وعزره، ونودي عليه في البلد ومنع من الفتوى وعقود الأنكحة ثم أطلق‏.‏

وفي يوم الأربعاء بكرة باشر بدر الدين محمد بن بضحان مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح عوضاً عن الشيخ مجد الدين التونسي، توفي وحضر عنده الأعيان الفضلاء، وقد حضرته يومئذ، وقبل ذلك باشر مشيخة الإقراء بالأشرفية عوضاً عنه أيضاً الشيخ محمد بن خروف الموصلي‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث عشرين ذي الحجة باشر الشيخ الإمام العلامة الحافظ الحجة شيخنا ومفيدنا أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي مشيخة دار الحديث الأشرفية عوضاً عن كمال الدين بن الشريشي، ولم يحضر عنده كبير أحد، لما في نفوس بعض الناس من ولايته لذلك، مع أنه لم يتولها أحد قبله أحق بها منه‏.‏

ولا أحفظ منه، وما عليه منهم‏؟‏ إذا لم يحضروا عنده فإنه لا يوحشه إلا حضورهم عنده، وبعدهم عنه أنس والله أعلم‏.‏

 من الأعيان‏:‏

الشيخ الصالح العباد الناسك

الورع الزاهد القدوة بقية السلف وقدوة الخلف  أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح عمر بن السيد القدوة الناسك الكبير العارف أبي بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي، ولد سنة خمسين وستمائة ببالس، وسمع من أصحاب ابن طبرزد‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/102‏)‏

وكان شيخاً جليلاً بشوش الوجه حسن السمت، مقصداً لكل أحد، كثير الوقار عليه سيما العبادة والخير، وكان يوم قازان في جملة من كان مع الشيخ تقي الدين بن تيمية لما تكلم مع قازان، فحكى عن كلام شيخ الإسلام تقي الدين لقازان وشجاعته وجرأته عليه، وأنه قال لترجمانه قل للقان‏:‏ أنت تزعم أنك مسلم ومعك مؤذنون وقاض وإمام وشيخ على ما بلغنا فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا‏؟‏ وأبوك وجدك هلكا وكانا كافرين، وما غزوا بلاد الإسلام، بل عاهدوا قومنا، وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت‏.‏

قال‏:‏ وجرت له مع قازان وقطلوشاه وبولاي أمور ونوب، قام ابن تيمية فيها كلها لله، وقال الحق ولم يخش إلا الله عز وجل‏.‏قال وقرب إلى الجماعة طعاماً فأكلوا منه إلا ابن تيمية فقيل له‏:‏ ألا تأكل‏؟‏ فقال‏:‏ كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس، قال‏:‏ ثم إن قازان طلب منه الدعاء فقال في دعائه‏:‏ اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيده وملكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياء وسمعة وطلباً للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذل الإسلام وأهله فأخذ له وزلزله ودمره واقطع دابره قال‏:‏ وقازان يؤمن على دعائه، ويرفع يديه‏.‏

قال‏:‏ فجعلنا نجمع ثيابنا خوفاً من أن تتلوث بدمه إذا أمر بقتله‏.‏

قال‏:‏ فلما خرجنا من عنده قال له قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى وغيره‏:‏ كدت أن تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك من هنا، فقال‏:‏ وأنا والله لا أصحبكم‏.‏

قال‏:‏ فانطلقنا عصبة وتأخر هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه، فتسامعت به الخواقين والأمراء من أصحاب قازان فأتوه يتبركون بدعائه، وهو سائر إلى دمشق، وينظرون إليه، قال والله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه، وكنت أنا من جملة من كان معه، وأما أولئك الذين أبو أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتر فشلحوهم عن آخرهم، هذا الكلام أو نحوه‏.‏

وقد سمعت هذه الحكاية من جماعة غيره، وقد تقدم ذلك‏.‏

توفي الشيخ محمد بن قوام ليلة الاثنين الثاني والعشرين من صفر بالزاوية المعروفة بهم غربي الصالحية والناصرية والعادلية، وصلّي عليه بها ودفن بها وحضر جنازته ودفنه خلق كثير وجم غفير، وكان في جملة الجمع الشيخ تقي الدين بن تيمية، لأنه كان يحبه كثيراً، ولم يكن للشيخ محمد مرتب على الدولة ولا غيرهم، ولا لزاويته مرتب ولا وقف، وقد عرض عليه ذلك غير مرة فلم يقبل، وكان يزار، وكان لديه علم وفضائل جمة، وكان فهمه صحيحاً وكانت له معرفة تامة، وكان حسن العقيدة وطويته صحيحة محباً للحديث وآثار السلف، كثير التلاوة والجمعية على الله عز وجل، وقد صنف جزءاً فيه أخبار جيدة، رحمه الله وبل ثراه بوابل الرحمة آمين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/103‏)‏

الشيخ الصالح الأديب البارع الشاعر المجيد

 تقي الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ أحمد بن تمام بن حسان البلي ثم الصالحي الحنبلي، أخو الشيخ محمد بن تمام، ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع الحديث، وصحب الفضلاء، وكان حسن الشكل والخلق، طيب النفس مليح المجاورة والمجالسة، كثير المفاكهة، أقام مدة بالحجاز واجتمع بابن سبعين وبالتقي الحوراني، وأخذ النحو عن ابن مالك وابنه بدر الدين وصحبه مدة، وقد صحبه الشهاب محمود مدة خمسين سنة، وكان يثني عليه بالزهد والفراغ من الدنيا، توفي ليلة السبت الثالث من ربيع الآخر ودفن بالسفح، وقد أورد الشيخ علم الدين البرزالي في ترجمته قطعة من شعره‏:‏ فمن ذلك قوله‏:‏

أسكان المعاهد من فؤادي * لكم في خافق منه سكون

أكرر فيكم أبداً حديثي * فيحلو والحديث له شجون

وأنظمه عقيقاً من دموعي * فتنثره المحاجر والجفون

وأبتكر المعاني في هواكم * وفيكم كل قافية تهون

وأسئل عنكم البكاء سراً * وسر هواكم سر مصون

وأغتبق النسيم لأن فيه * شمائل من معاطفكم تبين

فكم لي في محبتكم غرام * وكم لي في الغرام بكم فنون‏؟‏

قاضي القضاة زين الدين

 علي بن مخلوف بن ناهض بن مسلم بن منعم بن خلف النويري المالكي الحاكم بالديار المصرية، سنة أربع وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث واشتغل وحصل، وولي الحكم بعد ابن شاش سنة خمس وثمانين، وطالت أيامه إلى هذا العام، وكان غزير المروءة والاحتمال والإحسان إلى الفقهاء والشهود، ومن يقصده، توفي ليلة الأربعاء حادي عشر جمادى الآخرة، ودفن بسفح المقطم بمصر، وتولى الحكم بعده بمصر تقي الدين الأخنائي المالكي‏.‏

 الشيخ إبراهيم بن أبي العلاء

المقري الصيت المشهور المعروف بابن شعلان، وكان رجلاً جيداً في شهود المسمارية، ويقصد للختمات لصيت صوته، توفي يوم الجمعة وهو كهل ثالث عشر جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/104‏)‏

الشيخ الإمام العالم الزاهد

 أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي جعفر أحمد بن خلف بن إبراهيم بن أبي عيسى بن الحاج النجيبي القرطبي ثم الإشبيلي، ولد بإشبيلية سنة ثمان وثلاثين وستمائة‏.‏

وقد كان أهله بيت العلم والخطابة والقضاء بمدينة قرطبة، فلما أخذها الفرنج انتقلوا إلى إشبيلية وتمحقت أموالهم وكتبهم، وصادر ابن الأحمر جده القاضي بعشرين ألف دينار، ومات أبوه وجده في سنة إحدى وأربعين وسمتائة، ونشأ يتيماً ثم حج وأقبل إلى الشام فاستقام بدمشق من سنة أربع وثمانين، وسمع من ابن البخاري وغيره، وكتب بيده نحواً من مائة مجلد، إعانة لولديه أبي عمر وأبي عبد الله على الاشتغال‏.‏

ثم كانت وفاته بالمدرسة الصلاحية يوم الجمعة وقت الأذان ثامن عشر رجب، وصلي عليه بعد العصر ودفن عند القندلاوي، بباب الصغير بدمشق، وحضر جنازته خلق كثير‏.‏

 الشيخ كمال الدين ابن الشريشي

احمد ابن الإمام العلامة جمال الدين بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن سحمان البكري الوايلي الشريشي، كان أبوه مالكياً كما تقدم، واشتغل هو في مذهب الشافعي فبرع وحصل علوماً كثيرة، وكان خبيراً بالكتابة مع ذلك، وسمع الحديث وكتب الطباق بنفسه، وأفتى ودرس وناظر وباشر بعدة مدارس ومناصب كبار، أول ما باشر مشيخة دار الحديث بتربة أم الصالح بعد والده من سنة خمس وثمانين وستمائة إلى أن توفي، وناب في الحكم عن ابن جماعة‏.‏

ثم ترك ذلك وولي وكالة بيت المال وقضاء العسكر ونظر الجامع مرات، ودرس بالشامية البرانية ودرس بالناصرية عشرين سنة، ثم انتزعها من يده ابن جماعة وزين الدين الفارقي، فاستعادها منهما وباشر مشيخة الرباط الناصري بقاسيون مدة، ومشيخة دار الحديث الأشرفية ثمان سنين، وكان مشكور السيرة فيما يولي من الجهات كلها، وقد عزم في هذه السنة على الحج فخرج بأهله فأدركته منيته بالحسا في سلخ شوال من هذه السنة، ودفن هناك رحمه الله، وتولى بعده الوكالة جمال الدين بن القلانسي، ودرس بالناصرية كمال الدين بن الشيرازي، وبدار الحديث الأشرفية الحافظ جمال الدين المزي، وبأم الصالح الشيخ شمس الدين الذهبي، وبالرباط النصاري ولده جمال الدين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/105‏)‏

 الشهاب المقري

أحمد بن أبي بكر بن أحمد البغدادي نقيب الأشراف المتعممين، كان عنده فضائل جمة نثراً ونظماً مما يناسب الوقائع وما يحضر فيه من التهاني والتعازي، ويعرف الموسيقى والشعبذة، وضرب الرمل، ويحضر المجالس المشتملة على اللهو والمسكر واللعب والبسط، ثم انقطع عن ذلك كله لكبر سنه وهو مما يقال فيه وفي أمثاله‏:‏

ذهبت عن توبته سائلاً * وجدتها توبة إفلاس

وكان مولده بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وتوفي ليلة السبت خامس ذي القعدة ودفن بمقابر باب الصغير في قبر أعده لنفسه عن خمس وثمانين سنة، سامحه الله‏.‏

 قاضي القضاة فخر الدين

أبو العباس أحمد بن تاج الدين أبي الخير سلامة بن زين الدين أبي العباس أحمد بن سلام الإسكندري المالكي، ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة، وبرع في علوم كثيرة، وولي نيابة الحكم في الإسكندرية فحمدت سيرته وديانته وصرامته‏.‏

ثم قدم على قضاء الشام للمالكية في السنة الماضية فباشرها أحسن مباشرة سنة ونصفاً، إلى أن توفي بالصمصامية بكرة الأربعاء مستهل ذي الحجة، ودفن إلى جانب القندلاوي بباب الصغير، وحضر جنازته خلق كثير، وشكره الناس وأثنوا عليه رحمه الله تعالى‏.‏